الجمعة, 14 جمادى الآخر 1447 هجريا, 5 ديسمبر 2025 ميلاديا.
مواقيت الصلاة

مواقيت الصلاه بحسب التوقيت المحلى لمدينة المدينة المنورة ليوم الجمعة, 14 جمادى الآخر 1447هـ

الفجر
05:29 ص
الشروق
06:52 ص
الظهر
12:12 م
العصر
03:13 م
المغرب
05:33 م
العشاء
07:03 م
عاجل :

خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل ببرنامج «حساب المواطن» والدعم الإضافي للمستفيدين حتى نهاية عام 2026

المشاهدات : 49348
التعليقات: 0

فعل الجميل بين العرفان والنكران

فعل الجميل بين العرفان والنكران
https://www.alshaamal.com/?p=298892

ترددت كثيرًا في الكتابة في هذا الموضوع، وأجلت الفكرة مرات ومرات، لتخوفي من عدم إيفاء الموضوع حقه من البحث والتحقق والتوضيح، وذلك لإيماني بأهميته وتشعبه ووقائعه وأحوال الناس معه من فعل ورد فعل، وتداخله مع الحقوق والواجبات، والهدايا والهبات والصدقات والمجاملات، وتنوع من له حظ في فعله، وكذلك الحال بمن ينكره ويجافيه ويتناساه ولا يهتم به.

والمعروف والجميل ترادف باللفظ وتماثل بالمعنى، وقد يفعل الجميل الفرد والجماعة والشعوب والحكومات والدول، وينكره مثلهم. وسوف أبحث في صيغ وطرق وصفات وأنواع وأحوال وأطراف فعل الجميل والمعروف، ومن يستطيع فعله سواءً سجية أو مجاملة أو حياء، بعيدًا عمن يفعله رياءً أو طلبًا للإطراء والسمعة، مع الأخذ بالحسبان اختلاف المشارب والنوايا والطباع. وسأتطرق إلى الشروط التي ينبغي توفرها بالفعل والفاعل ليكون الفعل اسمًا على مسمى فعلًا.

وكذلك سأعرج بلفتة لطيفة على من يعترف بالجميل ويجازي به جزاءً معنويًا أو ماديًا حسب الحال والحاجة إلى هذا أو ذاك، وعلى من لا يهتم به ولا بمسديه وفاعله، وكأن شيئًا لم يحصل، بسكوت وتغافل أو نكران وتجاهل.

وعلى ناكر الجميل، أو من يجازي به جزاء سنمار، وما أكثرهم – لا أكثرهم الله – وسأسبر غور تفكيرهم، وحيثيات نكرانهم، والأسباب التي يدعونها، وكيف يقلبون الأمور ليكونوا هم أهل الجميل وهم منه براء.

فمن البديهي أن منكر الجميل لا يُقبل منه – أي عاقل – ادعاء فعله، ففاقد الصفة لا يدعيها، وإن ادعاها بغباء انكشف الادعاء وبان الخفاء، وتكرّس الشعور بالجفاء. وبعبارة أخرى: (من لا يرد الجميل بالثناء والاعتراف والإطراء والدعاء، ومن يجحده وينكره، هم بالصنعة سواء. ومن يجحد الجميل وينكره لا يمكن أن يفعله، وإن فعله فلا يخرج عن كونه رياءً وسمعة ورجاء الحصول على مقابل أو منفعة يحلم بها).

وعلى كل حال، وكما يقال: “فاقد الشيء لا يعطيه”، و”ضوء الشمس لا يغطيه الغربال”، والادعاء لا يصدقه إلا الأغبياء. والناس شهود الله في أرضه، فمن نعته أكثرهم بشيء، فهو منه ليس ببراء، وإن ادعى العكس، فالتفكير لديه فيه لبس، وعقله الباطن يوحي إليه بأنه فعل، وهو في واقعه لم يفعل، وانحراف تفكيره جعله ينسب فعل غيره لنفسه، أو يدعي أنه فعل وهو لم يفعل، وهذا من أنكأ الأفعال والأقوال وأتعسها.

إذًا، فعل الجميل هو جبلة مثلى، وخلق حسن، يتمثل بإسداء معروف وإحسان للغير، يفعله النبلاء من الناس، سواءً كان معنويًا أو حسيًا. ويُعتبر معروفًا وجميلًا إذا لم يُرَد به سمعة، ولا يخالطه رياء، ولا يتبعه منٌّ ولا أذى، ولا يخطر على بال فاعله انتظار رده أو المجازاة به حاضرًا أو مستقبلًا.

وإسداء الجميل، وفعل المعروف، وطرق أبواب الخير والإحسان إلى الغير، يُقدم على فعله أجناس من البشر مع اختلاف نياتهم وتنوع أهدافهم، وما ينتظرونه جزاء فعلهم من خالق الناس أو من الناس أنفسهم.

فهناك عطاء بسخاء للناس البسطاء من الأيادي البيضاء، وعطاء برجاء للناس الأقوياء من أيادٍ تمتد آملة بالرد. فمابين سخي لا يرتجي جزاءً إلا من رب السماء، وبين مفتعل للسخاء وهو منه براء، راجيًا للرد، سواءً بسواء، فقد أطر نفسه على مده وهو ينتظر رده، ومع هذا يعتبر نفسه وحيد زمانه، ولا أحد قده.

ومن هنا يرتبك الراصد بمعرفة المقاصد، ويختلط الحابل بالنابل كما يقال، وتزدحم الأفعال وتساندها الأقوال، ولا يعلم الكاذب من الصادق إلا الخالق. وللناس الظاهر من القول والفعل، إلا أن لدى النادر والعاقل والمفكر والمتزن من الناس ملكة الحدس، والنظر الثاقب، والرؤية الفاحصة، فيعرف بصفاته هذه مغزى الفاعل الذي يدعي فعل المعروف وإسداء الجميل، هل هو كذلك، أم أن ما يدعيه ليس له نصيب فيه.

وهذا – لا شك – لا ينطبق على فعل الفرد فقط، بل على كل من فعل فعلًا يُطلق عليه المصطلح المذكور، سواء جماعة من الناس، أو الحكومات، أو الدول. فالجماعة تفعل المعروف، والحكومة والدولة كذلك، سواءً بمن تحت يدها، أو من النظراء والأصدقاء والمحتاجين والضعفاء.

والكل يسمع ويشاهد ما تفعله بعض الحكومات والدول مع بعضها البعض من مساعدات، وفزعات، وهبات، تستدعيها الجوائح، والأزمات، والحاجات، والمصالح المشتركة، وتُذكر وتُشكر هذه الدولة وتلك بما تسديه وتمنحه للآخرين، دون رجاء جزاء أو شكور.

كما يرى العالم أجمع ما تفعله حكومة المملكة العربية السعودية من جميل ومعاريف لشتى دول وشعوب العالم، وخصوصًا الأشقاء، ومن يتعرض للجوائح والأزمات والبلايا والملمات ونوائب الزمان، في أي زمان ومكان. وهو مثال حيٌّ ماثل للعيان لكل إنسان، ولا يحتاج إلى برهان.

ومن هنا، نرى أن الجميل والمعروف درجات، من حيث الهدف والمغزى والإخلاص والنية، والكثرة والقلة حسب القدرة. وفي كلٍّ خير، إذا صدق المقصد وطابت النفس بفعل المعروف، واستُحضر الأجر.

فمن الأصالة والحصافة والثقافة، وحسن الطالع، والخلق الحميد، والثقة بالنفس، سواءً على المستوى الفردي، أو الجماعي، أو الشخصيات الاعتبارية، أو الحكومات والدول، ألا يُجزى فاعل الخير بالشر، ولا المعروف بالكفوف، ولا الإحسان بالإساءة والنسيان، ولا الجمالة بالنذالة والنكران، وألا تُتبع إملاءات كل شيطان من الإنس والجان.

وفي الختام، ننوه بأننا نرى جميعًا في هذا الزمان طغيان نكران المعروف على كل المستويات، وخاصة من بعض الدول والحكومات التي تتنكر لجميل دول وحكومات أخرى أحسنت إليها ولا زالت تحسن إليها، وهي ممعنةٌ في الإساءة والنكران. وكذلك الأمر بين الناس، إلا من رحم الله تعالى.

جعلني الله ومن يقرأ ممن يُحسن ولا يُسيء، ويثمن الجميل، ولا يقابله بالنكران والجحود والتنكر والصدود.
اللهم آمين.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

التعليقات (٠) أضف تعليق

أضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>