كل أسبوع، يطلّ علينا يوم الجمعة بهيبته الخاصة، كأنه عيد يتكرر، يذكّر القلوب بما غفلت عنه، ويعيد ترتيب الأرواح على نغمة السكينة.
وفي هذا المشهد المهيب، حيث تصطف الصفوف وتُرفع الأكف وتُتلى الآيات، يكتمل المعنى أكثر حين تمتزج أصوات الكبار بأنفاس الصغار، وحين يتسع بيت الله ليشمل براءة الطفولة إلى جانب خشوع الشيوخ.
إن حضور الطفل لصلاة الجمعة ليس مجرد جلوس في الصفوف، ولا مجرد عادة تُؤدى كل أسبوع؛ إنه لحظة تأسيس لعلاقة عميقة بينه وبين المسجد. لحظة يُغرس فيها أول شعور بأن هناك بيتًا لله ينتظره، وأنه واحد من جماعةٍ أكبر من حدود أسرته الصغيرة.
في داخل المسجد، يتعلّم الطفل دون أن يُدرَّس: يتعلّم أن يتطهّر قبل الدخول، أن يجلس بهدوء حين يعلو صوت الإمام، أن ينصت، حتى لو لم يفهم كل الكلمات. هناك، تبدأ حواسه في التقاط أجواء مختلفة عن كل ما يعيشه في الخارج: روائح الطيب، سكون الصفوف، أصوات التكبير، نور الدعاء. وكل هذه التفاصيل الصغيرة تتحوّل إلى ذاكرة إيمانية تبقى في داخله طويلاً.
وصلاة الجمعة ليست مجرد ركعتين، بل هي حدث جماعي، مشهد كوني مصغّر يذكّرنا بأننا جزء من أمة واحدة. وعندما يرى الطفل هذا الجمع الكبير، يدرك بفطرته أن الإيمان لا يعيش في عزلة، وأن السجود ليس حوارًا فرديًا فقط، بل هو وحدة جماعية تسكنها الرحمة.
كم هو جميل أن يكبر الطفل وهو يحمل في قلبه صورة يد والده تقوده إلى المسجد كل جمعة، أو يتذكر كيف كان يجلس بجوار أخيه الأكبر، أو كيف كان يقلّد الكبار في خشوعهم. تلك الصور ليست عابرة، إنها البذور الأولى لحبٍّ صادق للمسجد، قد ينقذه في يوم من أيام حياته.
فالجمعة ليست صلاة أسبوعية وحسب؛ إنها مدرسة تُفتح أبوابها مرة بعد مرة، لتعلّم الكبار والصغار معًا أن العودة إلى الله هي الأصل، وأن الاجتماع على الذكر والعبادة هو ما يحيي القلوب.







