الجمعة, 14 جمادى الآخر 1447 هجريا, 5 ديسمبر 2025 ميلاديا.
مواقيت الصلاة

مواقيت الصلاه بحسب التوقيت المحلى لمدينة المدينة المنورة ليوم الجمعة, 14 جمادى الآخر 1447هـ

الفجر
05:29 ص
الشروق
06:52 ص
الظهر
12:12 م
العصر
03:13 م
المغرب
05:33 م
العشاء
07:03 م
عاجل :

خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل ببرنامج «حساب المواطن» والدعم الإضافي للمستفيدين حتى نهاية عام 2026

المشاهدات : 32412
التعليقات: 0

من تصفيق الطفولة إلى قلق الكبر

من تصفيق الطفولة إلى قلق الكبر
https://www.alshaamal.com/?p=305443

البارحة كنت مع ابنتي في مشوار تسوّق. ما إن وصلنا إلى المنزل حتى وجدت نفسي أتحرك بسرعة لجمع الأكياس وفتح الباب، فأوقفتني ابنتي بقولها: “ماما، لماذا أنت مسرعة؟ دعيني أولًا أطفئ المحرك ثم أساعدك.” كلماتها البسيطة جعلتني ألتفت إلى نفسي و أتساءل : لماذا كل هذا الاستعجال؟
وفي صباح اليوم التالي جلست إلى مائدتي أتناول فطوري وأحتسي قهوتي الساخنة، لكنني تعاملت مع الأمر وكأنه مهمة عاجلة يجب إنجازها. حين انتبهت، توقفت قليلًا وسألت نفسي: لماذا أتعجل حتى في أبسط لحظات الراحة؟ عندها أدركت أن العجلة ليست دائمًا انعكاسًا لضيق الوقت، بل عادة متجذرة في داخلي منذ زمن بعيد.
فالطفل في كثير من البيئات يُربى على أن السرعة هي المقياس الحقيقي للجدارة. يُمدح إن أنهى طعامه بسرعة، ويُصفق له إن أجاب أسرع من زملائه في الفصل، وتُربط بطؤه بالكسل أو ضعف الفهم. ومع تكرار هذه الرسائل، يتشكل في داخله شعور بأن قيمته مرهونة بالسرعة، لا بجودة الفعل ولا بعمق التجربة. ومع مرور السنوات تكبر هذه البذرة معه، وتتحول إلى عادة يصعب التخلص منها، حتى يصبح البطء غريبًا على جسده وعقله، وكأن التأني عيب لا يليق به.
العجلة في حقيقتها صفة غير محمودة، وقد نبّه القرآن الكريم إليها بقوله: ﴿وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء: 11]. فهي ميل يحتاج إلى وعي وضبط، لأن نتائجها كارثية على أكثر من مستوى. فمن الناحية الشعورية، يعيش الإنسان في حالة قلق دائم كأنه يطارد زمنًا لن يلحق به أبدًا. ومن الناحية العملية، يتخذ قرارات متسرعة توقعه في الأخطاء وتفقده فرصًا كان يمكن أن يقطف ثمارها لو تحلّى بالصبر. بل إن استعجال النتائج يجعله عرضة لليأس، لأنه يتوقع حصادًا لم يحن أوانه بعد، فإذا لم يجد ما يشتهي في الوقت الذي أراده، أصابه الإحباط وظن أن جهده ضاع بلا جدوى. الإنسان يظن أن سرعته تمنحه سيطرة، لكنها في النهاية تسلبه هذه السيطرة.
في المقابل، التأني ليس بطئًا ولا كسلًا، بل فنّ لعيش اللحظة. ومن يعيش اللحظة بحق يتعلم أن يرى النِعم الصغيرة التي تغيب في زحمة العجلة: طعم اللقمة، دفء القهوة، جمال المشي الهادئ، بهجة الحديث مع من نحب. وأهم هذه النعم على الإطلاق هي نعمة الوقت، التي لا تُقاس بعدد المهام المنجزة بل بعمق اللحظات التي نحياها. التأني يجعل كل نفس واعٍ شكرًا عمليًا لله، وكل لحظة طمأنينة هي عبادة صامتة.
إن البطء الواعي قوة خفية وهدية للحياة. فهو يعيد ترتيب علاقتنا بالزمن، فلا نظل أسرى للوهم بأننا نطارده، بل نصير أحرارًا نعيش معه بسلام. ولعل في تذكير القرآن لنا بهذه الطبيعة العجولة دعوة صريحة لأن نختار التأني سبيلًا للحكمة والسكينة، بدل أن نبقى أسرى لدوامة السرعة التي لا تنتهي.
وقد يكون البداية بسيطة: أن نتعمد شرب قهوتنا ببطء، أن نمشي دون استعجال، أو نأخذ وقتنا في مضغ لقمة واحدة. لفتات صغيرة كهذه ليست بلا معنى؛ إنها تدريب للنفس على التوقف عن اللهاث، ووسيلة لاستعادة قيمة اللحظة.
ليلى سعد القحطاني ✍🏻 🦋

التعليقات (٠) أضف تعليق

أضف تعليق

بريدك الالكترونى لن نقوم بأستخدامه.

You may use these HTML tags and attributes:
<a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>