الإنسان كائن بصري مفكر ومعبر، هكذا جُبل.
ولأن الكون مليء بخلق الله، ومن متناقضات لها جمالية كونية تدعونا للتأمل والتفكر في صنع وإبداع خالقنا الجميل الذي لا يقبل سوى الجميل الحسن من القول والفعل.
إن الفن عُرف كأداة تعبير منذ العصور القديمة، بل منذ الخليقة؛ فكانت الآثار تحكي لنا هذا التعبير لدى الإنسان البدائي على شكل رموز وأشكال يريد البوح بها عن أفكاره وما يدور بخلده، ورغم قدرته على التحدث بلسانه إلا أنه تبقى هناك مشاعر وأحاسيس وأفكار لا يستطيع الإنسان التعبير عنها لأنها حسية تُستشعر ولا تُترجم بكلمات.
وهنا ندرك حقيقة اختلاف الطبائع البشرية؛ فليس الجميع يستطيع التعبير بشكل صحيح وسليم عمّا يجول بفكره وبداخله، فيجد متنفسًا آخر وهو النقش بالرموز والأشكال التي تساعده على ترجمة ما يشعر به، ويفهمها من يفهم، ويجهلها من يجهل.
فكان للفنان المسلم قديمًا رؤية فنية تعبيرية يتحدث بها بنثر نقوشه وزخارفه وخطه وأشكاله على هيئة فن يزين به كل شيء حوله، ليجعل من هذا حضارة قائمة بحد ذاتها وبشموليتها وبهوية المسلم العربي أو العجمي.
اليوم العالمي للفن الإسلامي الذي يُقام في الثامن عشر من نوفمبر، يوم احتفال مخصص أقرّه المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في عام 2019م، بعد توصية مجلسها التنفيذي للاقتراح الذي تقدمت به دولة البحرين الشقيقة بتخصيص يوم للفن الإسلامي.
تُرى… هل أثمر هذا اليوم؟
وهل قدّم الفنانون والمفكرون والمثقفون المسلمون ما لديهم من علوم ومعرفة تُثبت وتوضح شمولية الفن الإسلامي الذي صُنّف منذ نشأته كفن قائم بحد ذاته، وكيان مستقل يعبر به الفنان المسلم، متخذًا مخرجًا ذا اعتبارات دينية جعلته يتوجه إلى فن الخط العربي والنقوش والزخارف والأشكال الهندسية والمعمارية؛ ليعبر عن مكنوناته الداخلية والجمالية، وينثر لنا عالمًا مليئًا بالتفاصيل الدقيقة والرموز التي تمثل هوية كل بلد وحقبة زمنية للمسلمين، ويجعله فنًا معترفًا به عالميًا.
إن مفهوم الفن الإسلامي يمثل ما قام به الفنان المسلم من إنتاج فني ممتد من إسبانيا إلى الهند، ويشمل البلدان العربية أيضًا.
الفنون الإسلامية ثلاثة أنواع رئيسية:
• العمارة
• المساجد
• القصور
وتندرج منها بقية الفنون الإسلامية المعروفة عالميًا، ومنها:
• فن الخط العربي
• الزخرفة النباتية والهندسية
• الخزف والسيراميك
• المنسوجات والسجاد
• الخشب المحفور والمشغولات الخشبية
• الأعمال المعدنية (كالنقش والتطعيم)
• الزجاج والفنون التطبيقية
• المنمنمات والرسوم التزيينية
وهذه الفنون جميعها هي انعكاس لطبيعة الحياة اليومية والاجتماعية للعالم الإسلامي، لأن الدين الإسلامي دين كيان إنسان متكامل موحد يعيش حياته بخلق القرآن في مسكنه وفي بلده وفي علاقاته مع الآخرين، ليتعامل مع أحكام القرآن والسنة بشرع الله وسنة نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.
الفنان المسلم ليس كغيره من الفنانين؛ هو حر، لكن حريته لا تجعله منسلخًا عن معتقده الديني وقناعته وقيمه ومبادئه، وليس منجرفًا نحو أخلاقيات تُسيء لهويته الدينية بل وربما تُسيء لشخصه كفنان مسلم معتز بهويته، معلنًا فكره ورقيّ فنه بطابع يجعل منه ذا مكانة تُحترم وتُقدّر في العالم. مكانة لا تُقارن ولا تقترن بأي فن آخر، وإنما تُنافس على البقاء والتفرد.
وهذا لا يحد من إبداع وتجارب الفنان في مختلف الفنون في عالم الفن التشكيلي؛ كي يتخذ أسلوبه الفني الذي يستهويه حتى لو خاض أي مدرسة فنية معاصرة أو قديمة، فتبقى بصمته التي تخصه في فنه ولونه وطرح فكرته بكل ما يراه أو يريده.
وختامًا…
الفن الإسلامي هو إنجاز متفرد، خاص وعام، بكل ما فيه من شمولية واسعة كاتساع العالم الإسلامي بكل حضارته وفتوحاته وانتصاراته وإخفاقاته. كلها قد سطرها التاريخ، وأظهرها الفنان المسلم بتعبير فني دقيق يحتاج صبرًا ورويّة.
وقال الفنان المسلم بلغته الفنية:
“أيها المبدع العربي المسلم… تحدّث بفنك ولا تبالِ؛ فكلنا نرى الجمال من حولنا، نتأمله فيُحدث ضجة كبيرة بأنفسنا تجعل حروفنا تقف صامتة، لتتحدث عنها ألواننا وخطوطنا وأشكالنا، وتنقش في الصخور رمز البوح الخالد.”
الفنانة التشكيلية والكاتبة
ماجدة الشريف








جميل جدا لي اعلى المراتب يارب مبدعة ماجدة الشريف