في زحمة الحياة اليومية، قد ننسى أنفسنا وسط المهام والمسؤوليات، فنعيش ردود أفعال لا نعرف مصدرها، ونمضي في أيامنا نشعر بالتعب دون أن نفهم لماذا. هنا تأتي أهمية الوعي الذاتي، فهو ليس مجرد فكرة عابرة أو مصطلح متداول، بل هو حجر الأساس لكل من يريد أن يعيش حياة أكثر وضوحًا وسلامًا ونضجًا داخليًا. أن تكون واعيًا بذاتك يعني أن ترى نفسك بصدق، أن تصغي لما تشعر به، وأن تسأل: ماذا أحتاج الآن؟ وما الذي يحرّكني من الداخل؟
ولأن الوعي قيمة عظيمة في حياة الإنسان، جاء في كتاب الله تعالى ما يدعم هذا المعنى العميق، حيث يقول عز وجل:
﴿ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ [القيامة: 14]
هذه الآية تُذكّرنا بأن الإنسان في قرارة نفسه يعلم حقيقة ذاته، ويملك البصيرة الداخلية التي تقوده لفهم ما فيه، متى ما صدق مع نفسه وأراد أن يرى.
حين نبدأ في فهم ذواتنا، ندرك أن كثيرًا من الألم ليس سببه الواقع، بل الطريقة التي نتعامل بها معه. ندرك أن بعض التصرفات التي نكررها لم تعد تناسب من نحن عليه اليوم، وأن هناك مشاعر نحملها منذ الطفولة لا زالت تؤثر على قراراتنا. الوعي لا يعني أن نحاكم أنفسنا أو نشعر بالذنب، بل أن نحتضن كل جزء فينا بحب، وأن نسمح لأنفسنا أن نعيش بصدق أكبر.
من اللحظات الصغيرة نبدأ. لحظة نجلس فيها بصمت وننصت لأنفسنا. لحظة نكتب فيها ما نشعر به بلا ترتيب أو تزييف. لحظة نلاحظ فيها كيف نتحدث لأنفسنا حين نُخطئ، وكيف نعامل احتياجاتنا العاطفية والجسدية. في تلك اللحظات البسيطة، يبدأ التغيير العميق. نبدأ بفهم لماذا نشعر بالحزن رغم أن كل شيء يبدو جيدًا من الخارج، ولماذا نغضب فجأة، أو نميل للعزلة، أو نرضى بأقل مما نستحق.
وحين نصبح أكثر وعيًا، يصبح لدينا القدرة على قول “لا” لما يؤذينا، و”نعم” لما يُشعرنا بالسلام. نتعلم أن نطلب ما نحتاجه دون خجل، وأن نُعبّر عن أنفسنا بلطف وقوة في آنٍ واحد. نكتشف أن أعظم خطوات التطور تبدأ من الداخل، من لحظة صدق مع الذات، من سؤال بسيط لكنه صادق: هل هذا يناسبني فعلًا؟ هل أعيش ما يليق بروحي؟
الوعي الذاتي ليس نهاية الرحلة، بل بدايتها. وكلما تعمقنا فيه، كلما أصبحنا أكثر خفة في الداخل، وأكثر اتزانًا في قراراتنا، وأكثر قدرة على فهم من حولنا دون أن نفقد أنفسنا. إنه فن أن نعيش بنور البصيرة، لا بعشوائية الظروف. أن نكون في سلام مع من نحن، وفي وعي بما نحتاج، وفي امتنان لكل لحظة ننمو فيها بصدق.
أتمنى لكم الفائدة والنفع في سلسلة مقالاتي في تطوير الذات والمهارات الناعمة، وأسأل الله أن تلامس قلوبكم وتوقظ فيكم شعلة التغيير والوعي.







