حين نستحضر الكرم والجود، تلوح في أذهاننا صور الأبواب المفتوحة، والقلوب الرحبة، والمواقف التي تُروى بفخر على مر السنين. لكن، حين نضع هذه الصور أمام الواقع، قد نصطدم بمشهد مختلف؛ مشهد يبدد شيئًا من تلك الهالة المضيئة.
في بعض المناطق، يجد الطلاب المتغربون أنفسهم في مواجهة واقع قاسٍ مع بعض أصحاب الشقق المؤجرة. هؤلاء الشباب، الذين تركوا دفء بيوتهم وأحضان أسرهم طلبًا للعلم، لا يريدون أكثر من سقف آمن ومسكن مريح. لكن بدل أن يقابلوا بالتقدير، يُثقل كاهلهم بإيجارات مبالغ فيها، وشروط متعسفة، وتعامل يفتقر إلى المروءة.
المؤسف أن الجشع صار عند البعض هو البوصلة، وكأن الربح المادي مبررٌ لكل وسيلة، حتى لو كان الثمن هو راحة الغريب وكرامته. يجد الطالب نفسه أمام خيارين أحلاهما مر: أن يقبل شروطًا مجحفة، أو يتنقل بين مساكن قد تكون أشد قسوة على نفسه وجيبه.
هنا يطرح السؤال نفسه: أين ذهبت قيم الكرم والإحسان التي طالما تغنينا بها؟ إن الكرم لا يُختبر في مجالس السمر أو على صفحات القصص، بل في المواقف التي يحتاج فيها الآخر إلى يدٍ حانية لا إلى يدٍ تستغل ضعفه.
إن ما يواجهه هؤلاء الطلاب ليس مجرد أزمة سكن، بل أزمة قيم، ومعيار حقيقي لمدى حضور المروءة في حياتنا العملية. ومن الواجب أن يتحرك الجميع — مسؤولين وأفرادًا — لإعادة الاعتبار لتلك القيم، والتصدي لممارسات تسيء لسمعة المكان وأهله.
فالكرم الحقيقي أن يشعر به الغريب قبل القريب، وأن يجد فيه الملهوف ملاذًا، لا عقدًا مليئًا بالشروط المجحفة. وإلا، سيبقى الكرم مجرد ذكرى نحكيها، بينما الواقع يسرد حكاية أخرى أكثر مرارة.







