لأول وهلة، كنت أظن أن دوري في جدارية الكيلومترين يقتصر على التغطية الإعلامية، ودعم الفنانين المحليين، وإبراز جهود المكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة الجوف، وجهود أمانة المنطقة في إزالة التشوه البصري وتحسين المشهد الحضاري. لم يخطر ببالي أنني سأقف يومًا أمام جدار، لا لأرصد الحدث، بل لأكون جزءًا منه، وأحكي حكاية جوفية عبر الريشة واللون.
حين رأيت جدارية منتزه الخزامى، شعرت أنها ليست مجرد عمل فني، بل مجلة مفتوحة على الزمن، تتنقل فيها العين بين النقوش الثمودية وصورة المؤسس والسدو، وتُكمل رحلتها بين النخلة وبيت الطين، والصقر والجمل، والآلات الموسيقية التي تعزف على وتر التراث. كل رمز فيها يحكي جزءًا من الحكاية، ويُعيد تشكيل الذاكرة البصرية للجوف، بلغة يفهمها القلب قبل العين.
أمسكت الريشة، وترددت قليلًا. لست فنانة تشكيلية، لكنني حاملة لحكايات الجوف، ووجدت أن اللون قد يكون أبلغ من الكلمة أحيانًا. رسمتُ، لا لأُبهر، بل لأُعبّر. رسمتُ حكاية جوفية، من القلب، من الذاكرة، من الانتماء.
تحولت تجربتي من التوثيق إلى التورط الجميل، من الحياد الصحفي إلى المشاركة الوجدانية. لم أعد فقط أكتب عن الجوف، بل أصبحت ألونها، أرويها، أعيشها.
هذه الجدارية لم تكن مجرد مشروع حضاري، بل كانت مساحة للانتماء، وميدانًا للتعبير، ونافذةً تُطل منها الجوف على نفسها، وعلى من يحبها. وحين نطقت الجدران بالحكاية، وجدت نفسي أُكملها.










