التواضع والغرور هما طرفان متناقضان لا يمكن أن يجتمعا في قلبٍ واحد. فالتواضع من أنبل الصفات وأرفع الأخلاق، إذ يدعو الإنسان إلى الاعتراف بفضل الله عليه، ويحثه على معاملة الآخرين بلطف واحترام. أما الغرور، فهو سلوك مذموم ينشأ عن الكِبر والاعتداد بالنفس بشكل مفرط، مما يُفقد صاحبه لذة السعادة الحقيقية، ويؤدي إلى عزلة مجتمعية ونفسية.
في الإسلام، يُعرف التواضع بأنه إدراك الإنسان لضعفه أمام الله ووضع نفسه في مكانها الحقيقي دون تعالٍ على الآخرين. وقد قال الله تعالى: *”وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا”* (الفرقان: 63)، مما يؤكد أن التواضع خلق يُعلي من قدر الإنسان عند ربه وعند الناس. فالبشر جميعهم سواء عند الله، لا يفرق بينهم لون أو جنس أو طبقة، والمعيار الوحيد للتفاضل بينهم هو التقوى.
على النقيض، الغرور هو شعور زائف يجعل الإنسان يظن أنه متفوق على غيره نتيجة لجاهٍ أو مالٍ أو علم. ومن هذا الشعور ينطلق الكِبر واحتقار الآخرين، مما يُفسد العلاقات ويدمر الروابط الإنسانية. وقد حذر الله من هذا السلوك في قوله: *”وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا”* (الإسراء: 37).
يتجلّى الفرق بين التواضع والغرور في التعامل مع الناس، وفي العلاقة مع الله.
فالمتواضع يعامل الجميع برحمة واحترام، يعترف بأخطائه، ويتقبل النصيحة بصدر رحب، بينما المغرور ينظر إلى الناس بفوقية وازدراء، يتمسك برأيه، ويرفض النقد مهما كان بنّاءً. المتواضع يدرك أن كل نعمة في حياته هي من فضل الله وينسب النجاح إليه، أما المغرور فيغفل عن ذلك وينسب كل شيء لنفسه، متجاهلًا ضعفه البشري.
لذا فأثر التواضع على الفرد والمجتمع عظيم؛ فهو يكسب صاحبه حُب الناس وثقتهم، ويعزز من روح التعاون والتكافل، فيرفع من مكانته عند الله.
أما الغرور، فيجعل الناس ينفرون من صاحبه، ويُوقعه في العزلة، ويعرضه لعقاب الله، حيث قال النبي ﷺ: *”لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر”* (مسلم).
فالنبي محمد ﷺ كان مثالًا يُحتذى به في التواضع، فقد كان يخدم أهله، ويجلس مع الفقراء، ويقبل دعواتهم. وعلى العكس تمامًا، نجد نموذج الغرور في شخصية فرعون الذي أهلكه تكبره واحتقاره للناس.
التواضع هو خُلق المؤمن الصادق الذي يُدرك أن كل ما لديه من نعم هو من الله، بينما الغرور هو مهلكة للنفس تُفقد صاحبها مكانته عند الله والناس. ولنا في قصص الأولين عظةً وعبرة؛ فلنحرص أن نكون مثالًا في الخير والتواضع، لا عبرةً في الغرور والعناد.
٢١/٧/1446
جازان