قصةُ يوم ابتدأنا، مَنْ نحنُ وكيف أتينا، قصةٌ تجترُّ معها كل أشكال الذاكرة الجماعية والتاريخ، الأبطال ، الانتصارات والانكسارات، الشخصيات، الرموز، المواقف ، الصمود والثبات، وأحيان خيبات الأمل، والأزمات؛ حتى الآلام والآمال لا أحد يستثنيها.
مَنْ نَحْنُ وكيف أتينا جملةُ صلةٍ تحملُ معها شَكل الهوية، من بدايتها حتى نهايتها هذه الجملة التي تتصل جسدًا وتاريخًا ومقامًا تختص ببقعة مباركة في هذا الكون الفسيح، نعم إنها تتصل بكيان عظيم يحتضن أغلى المقدسات الإسلامية على الإطلاق وأطهر المشاعر، وطن هو مهوى الأفئدة، ومركز العالم الإسلامي، به قبلة المسلمين والحرمين الشريفين. إنه المملكة العربية السعودية.
لما ابتدأنا كنّا شعبًا ممزقًا، يسودنا الجهل، ويأكلنا الانقسام وينخر فينا الضعف، ويطغى علينا التشرذم شعبٌ لا يعرف للراحة مكانًا، ولا يعرف للأمن طريقًا، ولا يأمن على نفسه أو مقدراته، ولا ممتلكاته حتى حانت لحظة البداية على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله ليؤسس بذلك لبنة الدولة السعودية الأولى ويكتب هويتها بدمائه العطرة عام تسعة وثلاثين بعد المئة وألف من الهجرة غيّر مجرى التاريخ ، هناك في قلب الدرعية الشمّاء انطلقت مسيرة الرجال الأوفياء، الزعماء الذين ضحوا بأنفسهم ليعيش من يأتي بعدهم عيش الرفاهية والسؤدد! بالتأكيد هذا ما حصل، وبهذه الصفة سارت بعدها حياة الأجداد حتى وصلت إلى الأحفاد.
رسم أولئك الرموز حروف الوطن بماء الذهب، وازدانت تلك الأحرف بنقاط مضيئة شكلت زخرفة محسوسة لاسمه كل حرف أكثر جمالاً وأبهى في النقش.
بدمائهم وعرقهم كتبوا رسائلهم لمن تلاهم بأنَّ الوطن أمانة، ليجيء الإمام تركي بن عبدالله بن محمد في عام ثلاثة وثمانين بعد المئة وألف من الهجرة ليُكْمِلَ ما بدأه أسلافه الشرفاء العظماء، حارب بكل شراسة، وبكل قوة وبسالة لتبقى هذه الدولة قائمة وحاضرة، ثم تسلم قيادة الدولة السعودية الثالثة جلالة المغفور له بإذن الله الملك الصالح عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود سنة تسعة عشر وثلاث مئة وألف من الهجرة ، سعى بكل ما في وسعه لتأسيس منظومة كبرى توازي حجم دول قائمة سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا كان لا وقت لديه للانتظار، انطلق الفارس يؤسس ويبني، يرتب وينظم ، كان يفكر للبعيد لا يعترف بضحالة الأفكار، يستمد قوته من الكتاب والسنة.
كان ـ رحمه الله ـ يطغى عليه التوازن والحكمة وتقديم الأولويات واستعمال الاستراتيجيات القيادية، ما جعله قويّ التأثير صعب المراس، ومفاوضًا صلبًا، وجريئًا في الطرح، ومميزًا في بناء التحالفات، هكذا أسس آل سعود وطننا المتعاظم، حتى أصبح منارة للعالم.
ثلاث مئة وسبعة أعوام كانت كفيلة لتبني دولة قوية، جديرة بالاهتمام، وملفتة للأنظار، يعمل حكامها بشغف ومنافسة، لقد صبّ أولئك الأسود جل تفكيرهم على بناء الإنسان والمكان، يدفعهم في هذا عشقهم لدينهم وحبهم لوديانه وسهوله وهضابه وجباله ونسيم بحاره وشطآنها وواحاته وصحاريه.
لقد مضت تلك السنون عرف العالم معها مَنْ نحن ومن نكون؟
لقد أصبحت المملكة العربية السعودية جوهرة الكون، ولؤلؤة الخليج العربي، ومنارة الدول قاطبة.
أيام قلائل وتشهد شوارعها وحارتها ومدنها ومناطقها الاحتفال بأجمل أيامها؛ إنه يوم تأسيسها ، حقيقة بلا تملق ، وبلا زيف يشعر المرء في هذه الأجواء بمكانته وإنسانيته لأنه يلمسها ويتحسس وجودها .
اليوم الثاني والعشرين من شهر فبراير كل عام يشهد سطوع المكانة المرموقة للمملكة العربية السعودية، نحتفل بسعادة وزهو لأننا نعيش أجمل الحقب التاريخية على الإطلاق، تقدم وازدهار نماء ورخاء ، أمن واستقرار، علمٌ ومعرفة، سياسة واقتصاد.
فكما تفخر الدول بحجم إنتاجها الصناعي والغذائي والعسكري نحن اليوم نعتز ونفخر أنّ هذه الدولة العظيمة مستمرة في التنمية، وتمضي قدمًا باتجاه تحقيق الاكتفاء، بل أنها تعمل باستمرار على بناء منظومة عمل ضخمة باستقطاب أكبر الشركات في عالم التصنيع، والإنتاج، على إثر ذلك فتحت المجال بشكل واسع للاستثمار في شتى المجالات التي تعنى بالتنمية.
دول بحجم الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وألمانيا واليابان تأمن على استثماراتها بمليارات الدولارات وترسل شركاتها إلى الشرق الأوسط وتحديدًا السعودية ليس بالأمر الهيّن، كون اكتساب الثقة أمر شائك لا يأت بسهولة.
لقد كسبت المملكة العربية السعودية ثقة الدول العظمى لأنها عملت جاهدة لبناء نفسها سنة تلو أخرى ، والتزمت بمعاهدات واتفاقيات مما كان له أبلغ الأثر في احتضان تلك الاستثمارات ،حتى أمست إحدى أهم الدولة النامية في مجال استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية هذا ما يخص الاقتصاد أما الحضارة فقد وجدنا صفحات التاريخ تثبت أن هذا الوطن كنز من كنوز الكون ، كالآثار التاريخية والأبراج والسدود والحصون والقلاع والأسوار في مناطق عدة كمنطقة نجران والأحساء والربع الخالي ومواقع تاريخية نادرة تعود إلى تسعة آلاف عام كموقع حضارة المَقِر بين وادي الدواسر وتثليث أيضا المدينة المنورة بها من الآثار ما يجعلنا نزداد بهاءً وألقًا بهذا الكيان؛ لذا فإنّ من عشق وطنه كتب تاريخه واحتفل معه بيوم تأسيسه.
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي
المشاهدات : 20513
التعليقات: 0