في مواقف الحياة اليومية، قد يُطلب من أحدهم أن يكون مصلحًا أو حَكَمًا، فيقع عليه حمل كبير لا يدرك ثقله إلا بعد فوات الأوان. فليست كل نية حسنة كافية، إن لم تكن مؤطّرة بالعلم والحكمة. وما أكثر من يظن أنه يحسن صنعًا، فإذا به يقع في الخطأ، ويكون أول من يظلم نفسه قبل غيره.
فليس كلُّ من تولّى مهمة أو منصبًا حَكَمًا رسميًا، فكثير من الناس يتولون مهامّ التحكيم أو الإصلاح دون أن يحملوا هذا اللقب. وقد يكون ذلك لأن الناس توسموا فيه خيرًا، أو استأنسوا برأيه، أو وثقوا في قراره؛ سواءً أكان إنسانًا عاديًا، أو مديرًا، أو معلمًا، أو رئيس لجنة، أو قائدًا في ملعب، أو ربّ أسرة، أو ربة بيت.
لكن ما أشدّ الظلم حين لا يقع على الآخرين، بل على من تصدّى للتحكيم أو الإصلاح، خاصةً إذا لم يمتلك المعرفة أو الحكمة الكافية لإصدار قرار عادل. فربما يكون أول من يجني ثمار الظلم هو نفسه.
فالظلم لا يكون فقط في الجور على الغير، بل أيضًا في التفريط في الأمانة، وخيانة الثقة، والتخاذل عن قول الحق رغم القدرة عليه.
ومن الناس من يتصدى للإصلاح أو التحكيم دون أن يتسلّح بالعلم والمعرفة والفراسة، فيقع في الخطأ ويجني على نفسه والآخرين، لا عن سوء نية، بل عن ضعف تأهيل واستعجال في إصدار الأحكام.
ويظلم الإنسان نفسه حين يقبل مهمة يعلم أنه ليس أهلًا لها، ثم يتمادى فيها دون طلب مشورة أو سعيٍ للتعلّم، فيتسبّب بقرارات قد تضر بالمجتمع أو تسيء إلى الأبرياء دون قصد.
وفي كثير من الأحيان، يُفاجَأ الإنسان بمسؤولية غير متوقعة؛ يُطلب منه أن يترأس لجنة، أو يُدير موقفًا، أو يُفصل في نزاع. فإن لم يكن مؤهلًا أو ذا تجربة، ضلّ واجتهد فأخطأ.
العدالة لا تبدأ من سلطة، بل من ضمير حيّ، ونفس صادقة تأبى المحاباة.
ومن هنا، فإن من يتصدّى للإصلاح أو التحكيم، لا بد أن يُدرك أن حسن النية لا يكفي، وأن ثقة الناس فيه لا تُغنيه عن طلب العلم، والتروّي، والتجرّد.
فالقرار العادل ليس موقفًا عابرًا، بل مسؤولية ثقيلة، وأمانة في عنق صاحبها.
ومن عرف قدر نفسه، وتورّع عن الخوض فيما لا يُحسنه، كان أصدق عدلًا، وأقرب إلى السلامة، وأبعد عن ظلم نفسه والناس.
بقلم : حسن حبيبي